Friday, April 30, 2021

دوري السوبر الأوروبي


 

طلع لنا إعلان دوري السوبر الأوروبي متبوعا بإعلان إنسحاب أعضائه في أقل من 72 ساعة، خلال تلك الساعات القليلة تزاحمة مواقع التواصل الإجتماعي والقنوات الإخبارية بين مؤيد ومعارض، ثم إختفى كل شيء كأن شيء مل يكن.

            لست هنا لأطلعكم على خفايا ما وراء الكواليس (سواء ما سبب هذا الإعلان أو كيف تم التوصل إلى إتفاقياته أو حتى ما أجبرهم على التخلي عنه في لمح البصر)، فأنا لست مطلعا على خفايا كواليس كرة القدم (والحق يقال لست مطلعا على كرة القدم نهائيا)، ولكنني هنا لأشرح لكم إستراتيجيات (وسأستبدل هذه الكلمة في باقي المقال بمكر لحاجة في نفس يعقوب) العمل الرياضي المختلفة، والأسباب التي إستدعت تلك الفرق أن تبحث عن حلول، وصولا إلى فكرة دوري السوبر والأسباب التي كانت ستأدي في فشله وإنهيارع في حال إستمرو في العمل عليه (ومعه كانت ستنهار الفيفا).

            بداية دعونا ننظر إلى المدارس المكرية الأساسة المسيطرة الطاغية حاليا في عالم الرياضة:

1.      الغير ربحية: والفكرة بسيطة، الهدف من المنظمات التي تعمل بهذا المكر هو نشر الرياضة الخاصة بهم وزيادة عدد ممارسيها وجماهيرها، والسبب هو حبهم وإيمانهم بتلك الرياضة. ويندرج تحت هذه المدرسة معظم الاتحادات الرياضية في العالم (الكراتيه، الطائرة، الجمباز، إلخ) وتدعي بعض الإتحادات (على رأسها الفيفا) بأنها من هذه المدرسة (وسأشرح لاحقا سبب إستخدامي لكلمة "تدعي").

2.      الربحية: أتوقع هذي واضحة، أهم شي عندهم الفلوس، لكن للتوضيح هذا مو معناته إنهم بيطلعو فلوس على حساب المستوى، لأنهم عارفين إن لو المستوى طاح ما عاد الجمهور يتفرج ولا عاد يدخلو فلوس. وتقريبا نقدر نقول إن غالبية البطولات أمريكية هذا شغالة بهذه الآلية.

3.      الداعمة لصناعة محددة: هذي شوية غريبة، لكن عبقرية، أبسط مثال عليها سباقات السيارات، عندك الفورميولا مثلا مكرهم يرتكز على فكرة إن سباقاتهم مصممة بحيث تجعل شركات السيارات تتنافس في دفع التقنيات المتعلقة بالسيارات قدما وبالتالي مع الوقت هذي التقنيات تصل إلى المستهلك.

 

بعد المقدمة المطولة شوية هذي، خلينا ندخل في المهم، دوري السوبر، أتوقع أهم سبب لنشئة فكرة دوري السوبر هو إن فيفا طول عمرها مسجلة وشغالة بفكر المدرسة الأولى، لكن مع الوقت لقو الشغلة فيها فلوس فصاروا يحاولوا يطلعوا قد ما يقدروا، إلا أن وضعهم إلي أنبنا على أساس غير ربحي مو مساعدهم. خليني أشرحلكم الفكرة بأني أبدء من البداية.

حين تأسست الفيفا كان هدفهم واضح، نشر هذه الرياضة التي أحبوها بين الجماهير وجعل أكبر عدد من الناس يشارك فيها. ومن هنا كان طبعا شي منطقي أنهم يبغوا يزيدوا عدد الأفرق (أو الأندية) المشاركة في الرياضة لأكبر عدد ممكن، وبالتالي كان أي أحد يبغا يأسس فريق يقدر، لذلك نجد مدينة مثل لندن فيها قرابة 18 فريق، وطبعا الفرضية الأساسية إن جميع من أسس هذه الفرق ومن يعمل بها ومن يلعب فيها يقوم بذلك في الأساس حبا في الرياضة. ومن هذا المنطلق، تعتبر فيفا ناجحة جدا.

لكن مع الوقت ومثل ما يقولوا (لمن الفلوس جريت في أيديهم)، بدء الجميع ينظر إلى تلك الأموال ويطمع فيها، خصوصا أنهم يرون الرياضات الأمريكية وكيف تنتج الأموال بشكل غير طبيعي (43 من أغلى 50 فريق رياضي في العالم في أمريكا، 26 منهم من دوري كرة القدم الأمريكية التي لا يكاد يتابعها أحد خارج أمريكا). وهنا تبدء المشكلة، لأن منطقيا إذا أردت إنجاز نتائج مشابهة للبطولات الأمريكية، يجب عليك مشابهة الطريقة الأمريكية في التعامل مع الرياضة، وهذا يعني بالضرورة شطب كل ما قامت به الفيفا حتى لحظتها، بل وقد يعني شطب الفيفا من أساسها، والبدء من جديد بآلية وفكر مختلفين تماما.

تسأل كيف الفكر مختلف وليش ما يقدروا يطبقوه بدون شطب الفيفا، السبب مثل ما قلنا هو التوجه من البداية كان السيطرة على الرياضة بهدف المادة. وهنا في ديناميكية سوق تلخبط شوية فركزوا معايا، من حيث المبدء المنافسة هي أحد أهم عوامل تطور أي صناعة، وهذي الفلسفة التي تبنتها فيفا في طريقة تطوير صناعتها، إنهم يزيدوا الفرق، بالتالي تزيد المنافسة، وبالتالي تطور رياضتهم. وقد يكون هذا المبدء صحيح في العموم، لكن حين تكون صناعتك في المنافسة ذاتها، وهذا ينتج مفارقة غريبة، فحين تكون صنعتك هي المنافسة، فأنت حين تزيد المنافسة تزيد العرض، وفي عالم الأعمال زيادة العرض تعني بالضرورة إنخفاض في الأسعار والدخل. وهنا جاء الفكر الأمريكي، فقرر أنه لزيادة قيمة المنافسة يجب الحد منه، فحصر عدد الفرق في البطولة على عدد محدود جدا من الفرق، وفي أغلب الأحوال يمنع تواجد أكثر من فريق في نفس المدينة (وإن أمكن في نفس الولاية) ثم يعطي هذه الفرق حصريات على موقعها الجوغرافي، فلا تتنافس مع بعضها في التسويق والرعايات داخل ذلك الموقع الجيوغرافي.

هنا يدخل الكثير من مناصري مدرسة الفيفا الفكرية، ويقولوا بأن آلية الفيفا هي الأفضل لإنتاج أفضل الفرق على الإطلاق، لأن هذه التنافسية المفتوحة تضطر كل فريق للعمل على تطوير نفسه حتى يتمكن من الارتقاء إلى البطولات الأهم، وإن حصر البطولات على فرق محددة يجعلهم يتكاسلون بعد أن ضمنوا مراكزهم. وأقول أن هذه المعلومة صحيحة وخاطئة في نفس الوقت، ذلك أنها لم تحدد نطاق صحتها. ودليل خطئها هو البطولات الأمريكية ذاتها، فأفضل لاعبي كرة السلة في العالم على الإطلاق هم لاعبي الدوري الأمريكي بلا منازع وعدد الفرق من هذا الدوري ضمن قائمة أغلى 50 فريق في العالم يساوي عدد فرق كرة القدم من باقي العالم في تلك القائمة، بينما باقي العالم حيث التنافس مفتوح للجميع، لم يقدموا فرقا بقوة الفرق الأمريكية أبدا. ودعوني أوضح، أنا هنا لا أتحدث عن المنتخبات الرسمية، وإنما عن الأندية والفرق المحلية. إن جعل البطولة مغلقة يزيد في الحقيقة التنافس بين اللاعبين ابتداء لرفع مستواهم حتي يتمكنوا من اللعب في أحد تلك الفرق المحدودة.

فكيف تكون تلك فكرة ضمان الفرق لمقاعدها تجعلهم متكاسلين صحيحة؟ الإجابة هو ما تفتق به أذهان من عملوا على دوري السوبر، حين قرروا أن ينشؤوا دوري تضمن فيه 15 فريق مقاعدها بينما تضطر 5 فرق أخرى للتنافس على تلك المقاعد. أولا الفرق نفسها، 6 منها بريطانية (4 في لندن)، 3 إيطالية و3 إسبانية، هذا يعني أنه لن تستفيد كثيرا من الأفكار الحصرية الجيوغرافية التي تطبق في أمريكا، كما أنه ستفقد البطولة الجماهير الغفيرة من باقي أوروبا، وهذا يعني مع الوقد فقد جماهير الفرق هذه نفسها. صحيح أن الفرق نفسها لها جماهيرية كبيرة جدا، ولكن جزء كبير من تلك الجماهير سببه هو البطولات التي تشارك فيها تلك الفرق مع باقي الفرق المحلية والأوربية ولو فقدت تلك البطولات فستفقد جزء كبير من حماسة جماهيرها. ثانيا فكرة وجود فرق الخمس فرق الباقية التي ستضطر للتنافس للوصول إلى تلك البطولة، سيؤثر سلبا على ال15 الأولى، إذا أن تلك الفرق ستشعر سيكولوجيا بالراحة لضمان مراكزها ولن تجتهد، ضمانهم لمركزهم ولكن بسبب شعورهم إنهم لا يحتاجون بذل الجهد لتلك المراكز بينما تلك الفرق (الأقل منهم) تحتاج لإثبات نفسها. باختصار المنافسة غير العادلة، ففي النظام الأمريكي الجميع على نفس المنصة، الجميع ضمن مركزه (نوعا ما)، فالجميع يتنافس من نفس نقطة القوة أو الضعف.

 

باختصار، إذا أراد أحدهم أن يحقق نفس الطريقة الأمريكية في كرة القدم، يجب أن يبدء من الصفر، بطولة بعدد محدد من الفرق، موزعة بشكل عادل بين الدول الأوروبية، جميع تلك الفرق ثابتة ولا يمكن تغيرها بسهولة.

 

ياسر بهجت

@YBahjatt